الأربعاء، 8 نوفمبر 2017

يا ليالي سليمان... والماء
شعر: شهدان الغرباوي


هل على راهبةٍ من جُناح
أن تدعو شيخَها إلى ليلةٍ مباركةٍ، بعصير العنبِ
أو أن تسمّيه (سليمان)؟

أُسميكَ سليمان.
**

سليمان
أَرني نفسَك وأنتَ تخلع لي الدنيا، أمامَ بوابةِ الليل
وتتركها تسقط على خشبِ (الباركيه) دون اكتراث.

ليلي قمرٌ
وقديمٌ
منذ التصقْت بجدار رحمها، وأنا أُربيه لأجلكَ
مَنَّا وسلوى، أطعمتهُ
وحَنَّكتُ(1)سقفَ حلقهِ بشهدٍ ليبراليٍّ
كم ألقيتُ في أذنهِ اليمنى من آياتٍ مكية
ورَشَمت أعضاءه الستةَ بطلاسمَ، كُتبَ عليها في اللّوحِ الأعظم:"سِريٌّ للغاية"
أنا ختنتهُ بيدي
وغسَلتهُ من بصماتِ الشياطين المحتملة
ثم غطّستهُ في مغسلي الخصوصيّ
بعد أن تلَوتُ على مائهِ الحي
(معَوّذَتي الثالثةَ) وأورادَ الصباحِ والمساء
ثم نثرتُ الماء في كلّ مكانٍ حولَه قاصدةً (التبريكَ)
غطّستهُ ثلاثاً
وفي كلّ مرة
كانَ يموتُ
فأُحييهِ، برائحةِ الشمعِ وبَخور "الكيتوريت"(2)
في تلكَ اللحظةِ، كانَ يولَد من جديدٍ، ليمحو عن العالمِ خطيئته الأصليةَ
تلك قيامتهُ الخاصة
قيامةُ ليلي، يا سليمان، ثورةٌ نِسْوِيَّةٌ حمراء.
 **


حال"الخلوة"
______
اعلم يا قريني أن ليلي خلوةٌ
لِجها بجلالكَ تاماً

وبصفتكَ شَيخي
هيئها لي بركعتين طويلتين
ومُرني
ألا أتكئ فيها على جدارٍ
قل لي:
وحدي جداركِ
اسندي ظهركِ إلى قوائمِ نفسي
وخذي الطمأنينةَ

وإني أناسماؤكِ
فارفعي وجهكِ لي
وأنتِ نصفُ مغمَضةٍ
تجَهّزي لسَكْرة، تُغَيِّب التاريخَ عن نفسهِ
وتدغدغ أعصابَ فلفلنا الأحمر.

لا تُرهقي ساقَيكِ لتقطعي لي الصحراء
اتركيها على عرشكِ، هناكَ
أنا لا أرضَى لثوب كِأن يرتفعَ عن ماءٍ مغشوشٍ
سنُبقِي كل شيءٍ في مكانه؛
حقولُ البُنّ الخضراءُ
مستودعاتُ عسلِ السِّدر
أجرانُ (القاتِ)
ما حاجتُنا للقاتِ
خذي حقولَ قاتي كلّها إن شئتِ
احفظيهِ في جانبِ فمكِ، ولوكيه على راحتكِ حتى تتوارَيْ بالحجابِ
أو زِيدي
فمَهما طالَت المدةُ،  أنا لا  أشعر بالتعبِ
عن العالمين أكملي إغماضَتكِ
ثم هاتي روحكِ يا (عيوني)
وسِيحي معي.

سليمانُ يا سليمان، ياشقيقَ الأعالي
لو أنكَ أدرتَ لي "موسيقى الأفلاكِ"(3)، وراقَصتني على مقامِ "الكُرد"
أُخِذْت
فسِلْت
فغُفِرلي
ولكانَ انجذابي في "مقامِ بَسط"(4)
مقتَضى الانجذابِ، يا محبوبي
أن خِلسةً يأتي
وأن ترتفعَ الحِشمةُ عن مجازاتنا
فيمتزجَ العصيران
وأنكَ بالمهابةِ تفعلُني
وبها تعلّمُ أبجديتي (اتيكيت) السالكين
مقتضى الانجذاب، أن أسيلَ، كلّي، على ظهركَ، قِربةً من "زيتِ الفرح"(5)
وأن أودعَ فيكَ "سِر المسحةِ المقدسة " (6)
فيكونَ الفناء.

أنتَ كاملٌ ودفيء
بزبيبكَ، تستر فراغاتِ روحي
فأندملُ
زبيبكُ حارٌّيا حبيبي
ولاذع.

يقول فيثاغورث:
بالموسيقى؛
1+=1 1

شكراً فيثاغورث
الخلوةُ صَحّت.

سليمانُ
لا تغادر خلوتنا، وتمضي للشواغلِ
دع للسِّوى شواهدَ جسدكَ
وانبذ أصابعكَ لحديدِ الحاسوبِ
وتعال
حِ لقلبي بإشاراتٍ تخصّنا
وأبجدية مِدادها، لا ينفد
صَوِّمني عن الحوادثِ
ونزّهني عن الكلياتِ و عن التفاصيلِ
ولنجعل خلوتنا "حضرةَ الملكوتِ" (7)



حال "الحضرة"
_______

إنَّا فيه
و فينا، هو

أحاكي فيثاغورث:
معاً +هو=1

كأنهُ يقول:
"لسليمانَ ذلّلنا شواطىءَ الإسكندريةِ،
أن يسيرَ  فيها على هواهُ
طهّرناها لهُ من تعدياتِ المحافظين، ورجالِ المالِ والأعمال
وإنَّا نجّيناه من جلافةِ المصطافين
و(القرويون آكلو البطاطس) (8)
يلوثون مياهَ البحر بملابِسهم الشرعية، وينزلون بها
كاملةً دونَ حياء
ثم بألبستهم الداخليةِ مبللةً، يعبرونَ طريقَ الجيش، غير مستترين بأنفاقٍ
وإنهم بإلهاتها (سيداتهم وتيجان رؤوسهم)، يظنون السوءَ، ويتحرّشون بزهورِ "البانسيه" في الحدائقِ العامة.

وإذ دفّأنا لسليمانَ الحاناتِ
و                                  " Chez Gaby" (9)
و((Cap D'or" (10
طيبناهما له ببَخورٍ من لدُنّا
وله نَعنَعنا صباحاتِ "أثينيوس" (11)
و"الكريستال"(12) بدخانِ التفاحِ الرباني.
ولقد أوحَينا لـــــ "خيلانات"(13)  "السيالة "(14)
أن تخفّفن من ملاءاتكن السوداء
وتحمّمن بالشمسِ على رمالِ الشاطئ
احمِلن في أيديكنّ "فنّ الحب" لأوفيد
وطوقَ الحمامة" لابن حَزم،
أو حتى "وندرلاند"(15)
لا تُصدّعن رأسَه بأفكارِ  الحسّ الطبقي، وعدالةِ التوزيع
ولا تسألنه عن اسمِ النملةِ بالكامل أو عن رقم هاتفِ الهدهد
فقط، عندما يمرّ  بكنّ  سليمانُ، ارشُشنَ على خَدّيه رذاذَ ماءِ الورد
ولا تتلفظن أبدا في حضرته بـــــ  ("أيوه" أو "أحيه") (16).

وإذ رأيناكِ، من الحب، تنامينَ وقلبـك مُستَفيقٌ.
فلسليمانَ أنزلنا على قلبكِ المجازَ  يا امراة
أنيقاً بلسانٍ عربي
قولي ما تشتهين
قولي إن {ثمراتِه حلوةٌ لحلقكَ
وإن عينَيه شجرتا "ناردين"(17)
حدثيه كثيراً عن عذوبةِ ريقهِ
وعن آبار الخمر والعسل التي تتفجر تحتَ لسانه
أخبريه أنه شهيٌّ كله
وصِفي، بالتفاصيل عينَيه، وخدّيه
صِفي شفتَيه، ولا تخجلي
اذكري بَخور المُرّ  والعودَ المتصاعد من بينهما
وأخبريهِ أنك تحفظينه بَينَ ثَدیَيكَّ من رصاصاتِ الشّواعرِ  وعزائمِ السحرِ  الأسود.
ثم قولي له:
ليتَ شِمالكَ تحتَ رأسي، ويمينكَ تُعانقني
واطلبي إليهِ أن يُدخلكِ معَه إلى بيتِ الخمر
لأنكِ عنده وجدتِ السلامَ.} (18)
**

حال "الجسد في ماء"
_____
الفَجْرُيا سليمان
وسورُ الكورنيش

استنِد
ودَعني أروِ لكَ الحقائقَ كاملةً:
إِنْ رشّاتِ الماء مَسَّت خلفَ الأذنين
ارتعشَت القشرةُ الأرضية
ووضعَت التابوهات نفسَها في سلةِ قمامة، ثبتتها البلديةُ على الرصيفِ لمثلِ هذه الظروفِ
فربما مرّ  الربّ واستردّ بضاعتَه، ليعيدَ توزيعَها على ضوءِ المتغيراتِ الفسيولوجية الجديدة.

البحرُ، يا معشوقى، سحَّابٌ
والمياهُ المالحةُ تذيبُ كلّ (ميتافيزيقا)
و تُرَسِّب الأرواحَ في القَعر.

للجسدِ، اليومَ، الكلمةُ العليا
فلننصِت.

جسدان كاملان
في عرضِ البحرِ  الأبيضِ المتوسط
إِنْ تقاربا
لاحَت فاكهةُأولِ الشتاء
عَصِيّةٌ فاكهةُأولِ الشتاء
وقطوفُها عزيزةٌ
وإن أصابعي لمدلّلةٌ
لا تأنَس لمجاهدةٍ طويلة
هاكَ أصابعي، ارشِدها أنتَ إلى أماكنِ النِضاجٌ
اضغط بها على منابعِ سُكر "اللاكتوز"(19)
ثم العَقْهُ من على سَطحها، يا (عريسَ البحر) (20)
وامنحني شربةً واحدة، تمتزجُ بسوائلي:
اللّعاب
الدَم
البلازما الصفراء
والمزلّجات الذاتية
ففى ماءِ (نوفمبر)؛
اللّحمُ هالكٌ، لا محالةَ،
في اللّحمِ
والمخاطرةُ نجاة.

جسدان كاملان
إن انتَصبا في ماءٍ
فبَوحهما حلالٌ

(جسدان وجهاً لوجه) (21)  =............
لا تقل فيهما رأياً يا (أوكتافيو باث)
فسليماني
سيكمل المعادلة.


هوامش:
_____
(*) اللوحات، للفنان الرمزيّ الفرنسيّ: أدويلو  ريدو
(1) التحنيك: هو تدليَك حَنَكَ الوليد، قبل أن يرضَع، بدُهْن اللَّوز والرمان ونحو ذلك.
(2)  أحد أنواع البخور الذي ذكر فى التوراة، والتلمود، وأوصى الكهنة باستخدامه فى معابد الصلاة.
(3) هي نغمات ناتجة من حركة الأفلاك والكواكب تًتناسب مع سرعة انتقال كل منها، مذهب ( إخوان الصفا)
 (4)البسط اصطلاحا: غلبة الرجاء على القلب، فإذا خاف الصوفي من وعيد الله كان قبضاً وإذا رجا وعده ونعيمه كان بسطاً.
(5) دهن يعتقد في الثقافة المسيحية انه يطرد الشياطين.
(6) طقس مسيحي يستخدم فيه: " زيت الميرون " المقدس بهدف الخلاص.(رسالة يوحنا الرسول الأولى-2:27)
 (7)هي فى الاصطلاح: عالم العقول والنفوس المجردة، وهي احدى حضرات الخمس الإلهية
(8) اسم اللوحة الشهيرة للفنان الهولندي "فنسنت فان جوخ"
(9) مكان ذو طابع إيطالي قديم ورومانسي بمدينة الاسكندرية.
(10) بار عريق بالاسكندرية تاسس عام 1900 ويعرف باسم (الشيخ علي).
(11)مطعم ومقهي بوسط الاسكندرية، تحوي جدرانه صورا وثائقية شاهدة تروي  تاريخاً و حكايات نادرة شهدها المقهي خاصة في فترة وجود الجالية اليونانية.
(12) مقهى شعبي على الكورنيش يرتاده الفنانون والادباء
 (13) هو الاسم العربي لعرائس البحر وهو، معجميا،وحش اسطوري نصفه انسان ونصفه سمكة
(14) حي شعبي قديم بمنطقة "بحري" بالاسكندرية.
(15)مجلة دولية تهتم بالموضة.
(16) من ألفاظ التعجب والدهشة التي تتميز بهما اللهجة الاسكندرية.
(17)نبات على النوم الجيد فقط، ويسبب السكينة.
(18) الجزء مستوحى ومعتمد على سفر (نشيد الأنشاد).
(19) سكر الحليب
(20)هو ذكر حيوان " عروس البحر" "ولهما تصور اسطوري في الأذهان، علي مستوى الشكل .

(21)التضمين من قصيدة "جسدان" للشاعر المكسيكي "اوكتافيو  باث".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق