الخميس، 22 يونيو 2017

قصيدة: (المجاذيف والشراع)
للشاعر (المصريّ) الفرنسيّ: إدمون جابس
ترجمة المبدع الجزائريّ: حكيم ميلود



الحَرْفُ يَسْرِقُ الكَلِمَةَ الّتي تَسْرِقُ الصُّورَةَ الّتِي تَسْرِقُ.
الحَرْفُ يَكْذِبُ عَلَى الكَلِمَةِ الّتِي تَكْذِبُ عَلَى الجُمْلَةِ الّتي تَكْذِبُ عَلى المُؤَلِّفِ الّذي يَكْذِبُ.
الحَرْفُ يَحْلُمُ بالكَلِمَةِ الّتي تَحْلُمُ بالجُمْلَةِ الّتي تُحَقِّقُ الكَلِمَةَ الّتي تُحَقِّقُ الحَرْفَ.
الحَرْفُ يَفُكُّ الكَلِمَةَ الّتي تَفُكُّ الصُّورَةَ الّتي تَفُكُّ النَّهَارَ.
الجُمْلَةُ تَتَّقِي الكَلِمَةَ الّتي تَتَّقِي الحَرْفَ الّذي يَتَّقِي الغِيَابَ.
الحَرْفُ يَصْرِفُ الكَلِمَةَ الّتي تَصْرِفُ الجُمْلَةَ الّتي تَصْرِفُ الكِتَابَ الّذي يَصْرِفُ الكاتِبَ الّذي يُفْلِسُ.
عَلاَمَاتٌ وَ تَجَاعِيدُ هِيَ أَسْئِلَةٌ وَ أَجْوِبَةٌ مِنَ الحِبْرِ نَفْسِهِ.
الصَّفْحَةُ دَائِماً بَيْضَاءُ بِالنِّسْبَةِ للكَلِمَةِ الّتي تُغَامِرُ فِيهَا،أَمَةٌ أوسَيِّدَةٌ.
§   

الكَلِمَةُ هِيَ صُورَةُ الإِنْسَانِ: إذَنْ هي آخرُ.
الكَلِمَةُ هي الإِنْسَانُ، ذَاكِرَتَهُ وَ صَيْرُورَتَهُ.
الكَلِمَةُ تُسَلِّحُ الكَلِمَةَ ضِدَّ نَفْسِهَا.
لاَ يُنْقِذُ الكَلِمَةَ إِلاَّ الكَلِمَةُ.
لِكُلِّ كَلِمَةٍ قِسْمَتُهَا مِنَ الحِبْرِ.
يَسْتَنِدُ الإِنْسَانُ إلَى الإِنْسَانِ كَمَا الكَلِمَةُ إِلَى الكَلِمَةِ الّتي تَخْتَبِرُهَا.
§   

هُنَاكَ كَلِمَاتٌ لَمْ تَلْمَسِ الأَرْضَ أَبَدًا.
§   

للكَلِمَاتِ الّتي تَبْحَثُ عَنْ بَعْضِهَا البعضِ النّظْرَةُ الحَزِينَةُ لِلعُشَّاقِ المُنْفَصِلِينَ.
تَتَجَمَّعُ الكَلِمَاتُ حَوْلَ الصُّورَةِ كَمَا يَتَجَمَّعُ النّاسُ حَوْلَ مَائِدَةٍ أَوْ نَارِ حَطَبٍ.
§   

تَتَجَوّلُ الكَلِمَاتُ لابِسَةً اللُّهَاثَ.
§   

القَصَائِدُ تُخْفِي مَشَاعِلَ قَوِيَّةً، تُوَجِّهُهَا الكَلِمَاتُ في نَشْوَةِ حُرِّيّتِها إِلَى اللَّيْلِ الكَثِيفِ.

وهُوَ يَنْزَعُ، مَعَ عَلاَمَاتِ الوَقْفِ، المَنَاطِقَ الحُرَّةَ، يُفَاقِمُ الشّاعِرُ، بَيْنَ الكَلِمَاتِ، أَسْبَابَ الصِّرَاعَاتِ أَوْ يُضَاعِفُ فُرَصَ تَفَاهُمٍ حَمِيمِيٍّ.
§   

تُجَازِفُ عَيْنُ القَارئِ، في كُلِّ مَقْطَعٍ لَفْظِيٍّ، بِإِشْعَالِ حَرِيقٍ.
§   

مِثْلَ النّارِ، للمَاءِ عَلاَمَاتُ ضُعْفِهِ.

الحُلْمُ مَوْجُودٌ فِي الجُذُورِ.

الرّيحُ تَثِقُ في الرّيحِ.
                                                 بِنْتٌ مَرْسُومَةٌ بِالأَزْرَقِ
                                                       تَتْبَعُ مُنْحَنَى الزّرْقَةِ

جَنَاحُ الطّائِرِ يَطْوِي المَسَاءَ.
§   

للضّفَادِعِ سَلَعَةُ(*) الكَآبَةِ.

كَمَا المِسْمَار، الزّمنُ يُصْدئُ الصَّرْخَةَ.
                                                          تَحْمِلُ المَجَاعةُ فِي نَفْسِهَا
                                                                 أَشِعَّتَهَا المُتَقَاطِعَةَ.

الضّجِيجُ يَنْزِفُ.

السّيْفُ يَبْكي الجُرْحَ.
                                                         يَتَكَلَّمُ الزِّنْجِيُّ مَعَ اللّيْلِ
                                                                بِصَوْتٍ خَافِتٍ تَحْتَ الجِلْد

مِنْ نَوْمِ الذِّئْبِ تَنْبَثِقُ عُيُونُ الضَّحيّةِ.

يُسْنِدُ الحَجَرُ البِئْرَ بِوَلَعٍ.
                            *
الهَوَاءُ يَقْرَأُ في المَاءِ.

بالنّسبةِ لِلجَرَسِ، الأَرْضُ سَرِيرٌ بَعيدُ المَنَالِ.

المَوْتَى مُحَاطُونَ بِالمَاءِ الّذي تُحَرِّكُهُ الذِّكْرَيَاتُ.
§   

وَرَقَةً لِوَرَقَةٍ
نَاراً  لِنَارٍ
المَاءُ يَضُمُّ
المَاءَ.
§   

الكَلِمَةُ تَحْمِلُ دَاخِلَهَا الكِتَابَ، كَمَا الإِنْسَانُ الكَوْنَ.
يَهْمِسُ الظِّلُّ لِلظِّلِّ بالطَّرِيقِ السِّرِّيِّ للنَّهَارِ.
مَعَ الكَلِمَاتِ نُحاذِي الهَاوِيَةَ. أَوّلُ خُطْوَةٍ خَاطِئَةٍ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ قَاتِلَةً.

يَتَكَلَّمُ الثَّلْجُ مَعَ البَيَاضِ كَلاَمًا يَجْهَلُهُ الأرْزُ.

الكَلِمَةُ تُعِزُّ العَتْمَةَ.

النّهَارُ يَسْكُنُ الكِتَابَ.
§   

الصَّرْخَةُ الأَخِيرَةُ هِي السَّذَاجَةُ.
§   

بِإصْبَعٍ يُدِيرُ الطِّفْلُ أَطْوَاقَ اللَّوْنِ الّتي تَضِيعُ فِي العُيُونِ المَفْتُونَةِ لِلْجَمْعِ، المُتَوَاطِئَةِ مَعَهُ.

يَنْعَكِسُ بَيْتُ الجَدْوَلِ في كُلِّ نَافِذَةٍ مِنْ نَوَافِذِهِ مِثْلَ العَالَمِ الأَعْمى فِي عُيُونِنَا.

مَا إنْ نَغْزُوَهَا، تَبْقَى الصُّورَةُ فِي عُيُونِنَا مِثْلَ جَزِيرَةٍ وَسَطَ البَحْرِ.
§   

عَالَمُكَ وَ عَالَمِي يَنْفَصِلانِ فِي عُيُونِنَا.
§   

فِي قَصِيدَةٍ ، يَعْبُرُ الشُّعُورُ مِنْ صُورَةٍ إِلَى أُخْرَىَ مِثْلَ الفَرَاشةِ عَبْرَ الحُقُولِ.

تَنْقُشُ الرَّاقِصَةُ عَلَى الجَلِيدِ فِي المِرْآةِ جُمْلَةً مَحْكُومٌ عَلَيهَا بِالبَقَاءِ سِرِّيَةً.

الرِّيحُ الّتي تَهُبُّ عَلَى عُنْوَانِ القَصِيدَةِ تُرْغِمُهُ عَلَى أَنْ يَتَصَلَّبَ كَمَا يَفْعَلُ البَشَرُ فِي مُوَاجَهَةِ البَرْدِ.
§   

يُنَظِّمُ الفَنَّانُ الحَيَاةَ المُضِيئةَ للعُيُونِ.
§   

وَاثِقًا مِنْ دَرْبِهِ، يَتَمَيَّزُ النَّثْرُ عَنِ الشِّعْرِ، مِثْلَمَا يَتَمَيَّزُ السَّائِرُ المُتَعَجِّلُ لِلوُصُولِ إِلَى الهَدَفِ، عَنِ الرَّاقِصِ المُنْتَشِي بِعَدَمِ الوُصُولِ أَبَدًا.

يُنَازِعُ العَالَمُ الإِنْسَانَ على القَصِيدَةِ، النُّمُوُّ الذّائعُ للوَرْدَةِ.

القَصِيدَةُ هِيَ العَطَشُ الّذي تَرْوِيهِ الرَّغْبَةُ في عَطَشٍ أَكْبَرَ.

الشَّاعِرُ مَشْدُودٌ إِلَى القَصِيدَةِ، مِثْلَ انْشِدَادِ الكَلِمَةِ إِلَى مَوْتِ العَالَمِ الّذي يَقْذِفُهَا.

الشّاعِرُ يُؤَبِّدُ لَحْظَةً في حَيَاةِ الكَلِمَةِ، ابْتِسَامةً، لِقَاءً.

الحَرَكَةُ الأُوْلَى للشّاعِرِ هِيَ أَنْ يَقْبِضَ وَ هُوَ طَائرٌ عَلَى حِصَّتِهِ مِنَ البَقَاءِ.
§   

لاَ تَظْهَرُ عَوَاقِبُ فِعْلِ الكَلِمَاتِ فِي القَصِيدَةِ إلاَّ في المدَى البَعِيدِ.
                          *
حِبْرٌ، إِشْرَاقَاتُ الكَلِمَاتِ.
الرُّؤْيَةُ تَصُوغُ، مِثْلَ الصَّوْتِ، الكَلِمَةَ.
العِبَاراتُ لَهَا الأَصْوَاتُ ظِلاًّ.
§   

حَطَّمَتِ القَصِيدَةُ فِي الكَلِمَةِ المرْآةَ الّتي كَانَتْ تُشَوِّهُ صُورَتَهَا.
انْتِظَارُ الفَرِيسَةِ وَاهِنٌ.

يُرَاهِنُ الجِدَارُ عَلَى الأَرْضِ.
§   

الإِلْهَامُ غَزَلِيَّةٌ بَيْنَ الشِّعْرِ والمَوْضُوعِ تَخْضَعُ لِنَزَوَاتِهَا العِبَارَةُ، تَشْبيهًا بِمَا بَيْنَ التُّوَيْجِ والفَرَاشَةِ.
§   

تَأْدِيبٌ: أَنْ نَنْزَعَ عَنِ المِلْحِ طعْمَ المَاءِ.
§   

مِنْ مِرْآةٍ إِلَى مِرْآةٍ يَرَى الصَّدَى وَجْهَهُ يَتَدَاعَى.

الجُدْرَانُ تُوَاجِهُ كَلِمَاتِهَا البَيْضَاء.

كُلُّ نَافِذَةٍ تُدَافِعُ عَنْ مَنْظَرِهَا.
§   

الرَّغَبَاتُ مَمْلوءَةٌ بِأَشْيَاءَ تَتَهَجَّانَا.
الأَشْيَاءُ هِيَ التُّخُومُ الّتي نُرَحِّلُهَا في العِنَادِ المَحْمُومِ مِن أَنْ تَمَسَّنَا.

هُنَاكَ الشَّيْءُ وَسِجْنُهُ. الشَّاعِرُ يُقَطِّعُ القُضْبَانَ فِي الظِّلِّ.
§   

أَنْ يَنَامَ تَحْتَ سَقْفِ بَيْتِهِ، ذَلِكَ هُوَ الانْشِغَالُ الأَسَاسِيُّ لِلفَنَّانِ.
§   

شَوَاطِئُ مَمْلُوءَةٌ فِي مُنْتَصَفِ النَّهَارِ بِالأَفْكَارِ العَارِيَةِ؛ وفِي اللّيْلِ هَوامِشُ مُعَادَةٌ للرَّمْلِ.
§   

كُلُّ فِكْرَةٍ تَبْحَثُ عَنْ مَلاَمِحِها في الفِكْرِ الّذي تُوَلِّدُهُ، مِثْلَ الأَبِ فِي الوَجْهِ القَلِقِ لِابْنِهِ.
§   

يَفْرِضُ الفَنَّانُ عَلَى الفِكْرَةِ حَظْرَ التَجَوُّلِ.
§   

كَمَا تَنْفَتِحُ السَّمَاءُ عَلَى البَحْرِ، يَنْفَتِحُ العَمَلُ عَلَى الإِنْسَانِ الّذي يَبْحَثُ عَنْ نَفْسِهِ فِيهِ.
الشَّعْبُ و القَصَائِدُ لَهُمْ صَوْتُ مَوْتَاهُمْ.
كَمَا البَحْرُ وَقْتَ الغَرَقِ، يَرْفَعُ التَّارِيخُ نَبْرَتَهُ في فَصْلِ الشُّهَدَاءِ.
تَجْرُبَةُ مَوْتِ الإِنْسَانِ والكَلِمةِ هِيَ بِحَجْمِ جُرْأَتِهَا.
§   

الصَّحْرَاءُ تَبُثُّ كَلِمَاتٍ قاحِلَةً.
الفَجْرُ يَخْلُقُ الدِّيكَ.
الأَحْلاَمُ تَصِفُنَا في المِحْنَةِ.
§   

ذَاكِرةُ الشَّاعرِ هيَ زَمَنُهُ.
الشِّعْرُ لاَ يُغَيِّرُ الحَيَاةَ، إِنَّهُ يُبَادِلُهَا.
نَحْنُ مَحْمُولُونَ.
§   

القَصِيدَةُ هِي التَّشَابُهُ.
...........................
.السلَعَةُ: تضخَم الغُدَة الدَرقية(*)
(*) إدموند جابيس، شاعر من مواليد القاهرة 1912.هاجر إلى فرنسا سنة 1957، وكان قريباً من
 السورياليين، خاصة ماكس جاكوب الذي كان دليله الأول و مرشده للانخراط في الساحة الأدبية الفرنسية. وقد تميزت تجربة إدموند جابيس بانفتاحها على كتابة مفتوحة عابرة للأجناس الأدبية ومسكونة بروح شرقية نابعة من إرثه بسنوات شبابه في مصر ، أين تحضر الصحراء باعتبارها استعارة مركزية . كما يحضر التيه كموضوعة مهيمنة. ومنذ ديوانه الأول الذي عنونه "أشيّد مسكني" اختار إدموند جابيس الذهاب في كتابة غامضة و صعبة، تنبني في أفق التأويلات الرمزية للعالم باعتباره كتاباً، وللشاعر بوصفه مؤولاً لغموضه.مات الشاعر سنة 1991. ومن أعماله:"كتاب الأسئلة" في سبعة أجزاء/ "كتاب التشابهات" في ثلاثة أجزاء/ "كتاب التخوم"  في أربعة أجزاء. أما ديوانه الأخير  فهو "غريب يتأبط كتاباً من الحجم الصغير".قبله نشر " كتاب الضيافة"، و كتاب تأملات "إنها تتبع مسارها". وقد جمعت أعماله الشعرية الأولى في سلسلة شعر غاليمار تحت عنوان "العتبة... الرمل" (1943/ 1988)، وفيها نجد ما يمكن اعتباره تجربته الشعرية بامتياز، لأن الكتب الأخرى هي نصوص مفتوحة. وهو  يشكل مع جورج حنين و جويس منصور المساهمة المصرية الأهم في الشعر المكتوب بالفرنسية في القرن العشرين.
(*) اللوحتان، للفنان المصريّ/ الألمانيّ: صلاح الأعسر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق