السبت، 15 أبريل 2017

قصيدة "سندان القوي"

للشاعر الفرنسي: أنطونان آرتو Antonin Artaud))

ترجمة: أنسي الحاج



هذا المدّ، هذا التَهَوّع(*)، هذه القُدَد، في "هذه" تبدأ النار. نار الألسنة. النار المنسوجة أشكالاً حلزونية، في لمعان الأرض التي تتفتح كبطن في حالة نِفاس، أحشاؤه من عسل وسكرِ. هذا البطن الرخو من كل جرحه النتن، يتثاءب، لكن النار تتثاءب من فوق بألسنة معقوفة وملتهبة تحمل في رأسها منافذ هذه النار المعقوفة كالغيوم في الماء الصافي، وبمحاذاتها الضوء الذي بخطّ مسطرة وحواجب. والأرض من كل الجوانب مفتوحة وكاشفة عن أسرار قاحلة. أسرار كالأديمات. الأرض وأعصابها، وعزلاتها التي ما قبل التاريخ، الأرض البدائية الطبقات، حيث تنكشف شقوق من العالم في ظل أسود كأنه الفحم. الأرض أم تحت جليد النار. انظروا النار في الأشعة الثلاثة، مع تاج لبدتها حيث تنغل أعين. عشرات آلاف ألف قدمٍ، عين. ان وسط هذه النار الملتهب والمتشنج هو كرأس الصاعقة المقطع في قمة السماء. وسَطُ التشنجات الأبيضُ. سطوع مطلق في معركة القوة. رأس القوة الراعب الذي ينكسر في جلبة زرقاء.

الأشعة الثلاثة تؤلف مروحة تقع غصونها عمودياً وتتجه نحو المركز نفسه. هذا المركز هو اسطوانة لبنية مكسوة بخطٍ لولبيٍّ من الخسوفات.

ظِلُ الخسوف يضع جداراً علي اعوجاجات البناء السماويّ العالي.

لكن فوق السماء يوجد الحصان – المزدوج . استحضار الحصان بالذهن يبلل، في ضوء القوة، على عمق جدار رثِ ومحاصَرِ حتى الحبل، حبل زوره المزدوج. وفيه أول الاثنين أشد غرابة بكثير من الآخر. انه هو الذي يلتقط الوهج الذي ليس الآخر غير ظله الثقيل.

أدنى أيضاً من ظل الجدار، يؤلف ظلاً رأسُ الحصان وزوره، كأن مياه العالم كلها ترفع فتحة بئر.

المروحة المفتوحة تشرف على اهرام من القمم، مجموعة هائلة من القمم. فكرة صحراوية تحوم علي هذه القمم التي ينسدل فوقها كوكب أشعث، معلق تعليقاً راعباً ، لا يُفسَّر. معلق كالخير في الإنسان، أو الشر في التجارة بين إنسان وإنسان، أو الموت في الحياة. قوة الكواكب الدوّارة.

لكن خلف رؤيا المطلق هذه، وهذا النظام من النباتات، والنجوم، والأراضي المقطعة حتى العظم، خلف تخثّر البذور المحتدم هذا، وهندسة الأبحاث هذه، ونظام القمم الدوّار خلف حديدة المحراث المغروسة في النفس وهذه النفس التي تُرسل أليافها، تعرّي ثفلها، خلف هذه اليد البشرية اخيراً التي تطبع إبهامها القاسية وترمم قاماتها، خلف هذا الخليط من الأشغال اليدوية ومادة الدماغ، وهذه الأنهار في جميع اتجاهات الروح، وهذه الكهوف في الواقع،

تقوم المدينة ذات الأسوار المصفحة، المدينة الشاهقة العلو، والتي ليس كثيراً عليها كل السماء لتكون لها سقفاً تنبت فيها الأعشاب باتجاه مقلوب وبسرعة كراكيب مرمية.

هذه المدينة من الكهوف والجُدر التي تُلقِي إلى الهوةِ المطلقةِ قناطرَ ملأى وأقبيةً كالجسور.
كم يُشتهى أن يُدخَل في تجويف هذه القناطر، في سلسلة قناطر هذه الجسور، تجويفُ كتفٍ لا قياسية الكِبر، كتفٍ يتباعد فيها الدم. وأن تضع جِيدَنا المرتاح ورأسنا الحافلة فيها الأحلام، علي حافة هذه الإفريزات العملاقة حيث يدّرّج الفلك. ذاك بأن فوقها سماء توراتية تركض فيها الغيوم البيضاء. لكن تهديدات هذه الغيوم الرقيقة، لكن العواصف. وسيناء هذا الذي يَدّعون شُعل الصغيرة تنفذ منه. لكن الظلّ حملَ الارض، والإنارة الصَمّاء والطبشُورية. لكن هذا الظلّ المرتدي اخيراً شكلَ العَنز وهذا التيس! وسبت البروج.

صرخةٌ لِلَملَمة كل ذلك ولسانٌ لشنقي عليه.

كل هذا الجَزْر يبدأ لي.

أَروني اندماجَ الأرض، مقصلةَ عقلي، ابتداءَ أظفاري الراعب. كتلة، كتلة هائلة زائفة تفصلُني عن كذبي. وهذه الكتلة تأخذ اللون الذي تريد.

العالم يَربُلُ(*) فيها كالبحرِ المُصَحَّر، وأنا مع جَزْر الحب.

أيها الكلاب، هل انتهيتم من دحرجة حَصاكم على نفسي. أنا. أنا. اقلبوا صفحةَ الردم الصغيرة. أنا ايضاً آمل بالحصباءِ السماوية والشطّ الذي لا يعود له ضِفّة. ينبغي أن تبدأ هذه النار لي. هذه النار وهذه الألسنة، وكهوف حبلى. فلترجع كتل الثلج وترتطم بأسناني. كثيفة جمجمتي، لكن روحي ملساء، وقلبي قلبُ مادة راسية. عندي غيابُ الشهُب ، غيابُ المنافخ الملتهبة. أبحثُ عن أسماءَ في حلقي، وكهُدب الأشياء الاهتزازيّ، رائحةُ العدم، عفنٌ للعبث، مزبلةُ الموت كله... الفكاهةُ الخفيفة المرفقة . أنا الآخر لا أنتظر غير الريح. فليَدّعِ حباً أو شقاء، لن يقدر قَطّ أن يُجنّحني إلا على شاطئ عظام الموتي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) مجلة شعر العدد 16، سنة 1960

(*)التهوع: التجشؤ
(*)يربل: يزداد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق