الأحد، 26 مارس 2017

ثلاث قصائد

للشاعر الإسبانيّ: ميجيل دي أونامونو
ترجمة: محمد عيد إبراهيم




حين أموت
"اعرفْ نفسكَ"؛ هي فلسفةُ 
اليونانِ الأقدسُ    
تعاليمُها تاجُ هذهِ الزهرةِ،  
وردةِ المعرفةِ!
"اعرفْ نفسكَ"، وتقعُ هذهِ النفسُ  
خارجَ نفسي؛  
فاللهُ داخلي؛ قد خلقَني اللهُ  
واللهُ يقِيني؛
اللهُ مشتَمَلٌ بي، وبقلبي  
يملأ حياتي.    
لن أبلغَ نفسي قبلَ مروري
بجَوهرهِ الأسنَى؛   
حينَ أموتُ سيُكشَف سِرّي؛ 
سأعرفُ اللهَ حينَ أموتُ.    



عزلة  
بروحٍ زاهدةٍ، لترحل وحيداً    
عبرَ رمالِ الفيافي،  
فوقَ ظَهركَ مآسٍ  
وحيدةٌ ينقُصها وَهجُ
الشهادةِ الزاهرُ! موجةً فموجةً مِن
ريحٍ عليكَ حارّةٍ عاتيةٍ،  
ويُدنّسُ أخيراً جَمعٌ غفيرٌ
من الضِباعِ سَكِينةَ عقلكَ.    
الحياةُ عزلةٌ؛ قد ولِدتَ وحيداً
وتموتُ وحيداً؛ وتحتَ الأرضِ تُصيخُ
وحيداً من أعلَى إلى شكايةٍ حزينةٍ 
لروحٍ أُخرَى تهيمُ عبرَ الفيافي وحيدةً؛ 
فتأتي إلى وادي الألمِ وحيداً 
لتكسبَ عزلتكَ وهي تستحيلُ إلى حربٍ.


لن أموت!
"لن أموتَ!"، هكذا قالَ   
شاعرٌ ممعنٌ في ذاتهِ، يبغُض
عمومَ الناسِ، يتحدّاهُم 
لينساهُم، على وعدِ أن التحدّي  
سيُخلّدهُ؛ خُدعةٌ محسوبةُ
أن نكبحَ الناسَ، كي نوطّدَ   
مجدَهُم. وينسَى زميلي البائسُ  
أن مَن يُسرفُ بشَرابهِ لا
يُفرِغهُ أبداً. ثم يحلّ زمانهُ 
ويُشتَهَر؛ شِعره  
حيٌّ زاهٍ بذاكرتِنا...    
حيٌّ...، وهو يبلَى. يظنّ أنهُ   
قد فجّرَ فجْرَ الخلودِ، وهو لا يعرفُ    
أن الموتَى سيموتونَ أخيراً!    

...........................
(*) ميجيل دي أونامونو Miguel de Unamuno(1864/ 1936)، شاعر  وفيلسوف إسبانيّ، روائيّ وقاصّ ومسرحيّ وناقد. عضو جماعة "جيل 1898"، من دواوينه: قصائد، مسبحة سونيتات غنائية، أنغام من الداخل، أنغام المنفى، كتاب الأغاني. (م)
(*) اللوحة (بيض على صحن، من غير  صحن)، للفنان الإسبانيّ:  سلفادور دالي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق