الاثنين، 22 أغسطس 2016

حوار مع ميشيل فوكو

ترجمة : سعيد بوخليط
           



بداية شهر يوليوز 1977، التقى أربعة صحافيين ينتمون إلى اليسار الجذري، بالفيلسوف فوكو. أثمر الحديث، هذا النص الذي لم ينشر قط، وبقي مُودعا بين وثائق أرشيف فوكو، بمعهد ذاكرة الإصدار المعاصر. نص، انصب على تعريفات السلطة وصراع الطبقات. لكنه يظهر، إلى أي حد، كان فوكو يرتاب من التحليلات المانوية Manichéennes لليسار خلال تلك الفترة. ميشيل فوكو (1926-1984)، تلميذ لوي ألتوسير بالمدرسة العليا للأساتذة. سعى في بحثه إلى أن يظهر، كيف أنّ الأفكار والسلوكات حتى الجنسية، تدرج على الرغم منها ضمن خطاب حقبة ما.

1) س ـ  لنأخذ أعمال "جاك رونسيير"، حينما ركز على سنة 1848 والثورة الشعبية، فقد اشتغل ضمنيا على الحاضر. بالنسبة إليه، الشعب فاعل يمتلك  ثانية هذه الذاكرة، بالتالي شيئا ما.لكن، بالنسبة إليكم، أين الفاعل ؟
ج- السلطة، هي ما أسعى إلى تناوله. لكن، ليس بالشكل المقصود في المعتاد، بمعنى سلطة متمركزة في مؤسسات وأجهزه. بل إذا شئتم، السلطة كما تسري عبر جسم مجتمعي بأكمله، أو مختلف ما يمكن تسميته بصراع الطبقات. بالنسبة إلي، وفي نطاق معين، السلطة صراع للطبقات بمعنى، مختلف علاقات القوة. علاقات حتما غير عادلة، قد يعرفها هيكل مجتمعي، لكنها أيضا متغيرة، تعتبر بمثابة تحققات للصراع الطبقي ومآسيه اليومية. ما يحدث مثلا، داخل الأسرة وعلاقات السلطة بين الآباء والأبناء، الزوج والزوجة، السلف والخلف، الشباب والشيوخ، إلخ. روابط القوة هذه وكذا روابط السلطة، تمثل علاقات قوة، والتي بطريقة أو أخرى ـ هذا ما ينبغي تحليله ـ صراع طبقي. لن أقول  : ((يقوم هكذا، صراع للطبقات، عند مستوى جوهري، بالتالي، ما تبقى مجرد أثر أو نتيجة))، ما دام صراع الطبقات، يعني حسيا جميع ما نعيشه. إذن، السلطة، ليست مع هذا الجانب أو ذاك، بل تكمن بالضبط في المجابهة. طبعا، بواسطة وسائل يمتلكها البعض، وأسلحة تتوفر لدى البعض الثاني. السواعد من جهة، والجيش بالنسبة للجهة الأخرى، والبنادق. لكن القول، بأن البورجوازية تستحوذ على السلطة  لأنها تتوفر على الأسلحة،أو هيمنتها على هذه السلطة،  قدر تمكنها من جهاز الدولة، لاتبدو لي صياغة دقيقة بما يكفي ودقيقة على نحو جيد، عندما نستهدف دراسة مختلف روابط السلطة التي تسكن جهازا اجتماعيا معينا.
2) س ـ أنتم بالأحرى لا تتفقون مع تصور جبهة قائمة بذاتها، أو الفهم الذي يفصل بين وضعيتين متماسكتين جدا، الواحدة مقابل الثانية، تصادم للذوات...؟
ج ـ المقاربة التي تدعي، بأنه في جسد مجتمعي، تتجلى فئتان من الأشخاص الممسكين بزمام السلطة، ثم الذين لا يملكونها. فئة، تنتمي إلى هذه الطبقة وأخرى تنتسب إلى طبقة ثانية. أقول، بأن تصنيفات من هذا النوع  لا تأخذ بعين الاعتبار الجسم المجتمعي.... قد يصلح هذا للحظات معينة، حيث يشتغل حقا التقسيم الثنائي. أيضا، قد يتلاءم مع مسافة بعينها، في إطار زاوية محددة، أو كي نتأمل مثلا بعض علاقات السلطة الاقتصادية. لكن حين الوصول إلى مستوى معين من ممارسة السلطة، السلطة الطبية على سبيل الذكر، والسلطة على الأجساد أو الجنسانية إلخ، هنا بالتأكيد، التوظيف المباشر للتعارض التقابلي، كالقول : ((الأطفال والنساء، مثل البروليتاريين)) لا يقود إلى أي شيء، سوى اضطرابات تاريخية.
3) س ـ يرتكز إذن عملكم على فضح مجموعة أسئلة، لكن بغير إحالتها على العدم، كأنكم، ترددون شعار : ((إنها ليست الأسئلة الوحيدة، بل ولا الأساسية...؟)).
ج) بطموح كبير، أدعي المقارنة التالية  : في العمق، حينما بدأ ماركس  تحليلاته، وجد حوله فكرا وتحليلا اشتراكيا، يطرحان سؤال الفقر، مضمونهما: ((كيف حدث أننا فقراء. إننا ننتج الثروات، ومع ذلك فقراء؟)). بمعنى آخر، اتجه السؤال، إلى قضية السرقة : ((كيف يسرقنا أرباب العمل، وكذا البورجوازيين؟)) سؤال سلبي، عجز الاشتراكيون في تلك الفترة، عن إيجاد مخرج له، لأنهم أجابوا بطريقة سلبية : ((أنتم فقراء، ماداموا يسرقونكم))، لكن ماركس سيقلب، المعادلة بقوله : ((بأي شيء يرتبط هذا الفقر والإفقار، اللذان نشاهدهما ؟)). لقد اكتشف، تلك الميكانيزمات الوضعية العجيبة المتوارية وراء كل هذا، المرتبطة بالرأسمالية وتراكم رأس المال. غير، أن مختلف هذه الميكانيزمات الوضعية للاقتصاد، تبقى لصيقة بالمجتمع الصناعي الذي كان أمامه. تأويل لا يعني، بأنه أنكر سيرورة الإفقار، بل على العكس، منحها موقعا خاصا جدا. انتقل ماركس، من تحليل سلبي المنحى إلى آخر إيجابي، يعيد النتائج السلبية إلى مكانها. مرة أخرى، وبطريقة تنطوي على كثير من الطموح، أردت القيام بنفس الأمر. أن لا أستسلم لإغواء المنحى السلبي تماما لهذا البؤس الجنسي. نعم يوجد، لكن لا ينبغي الوقوف عند حد تأويله بطريقة حشوية، ولا تنزاح عن كونها تحصيل حاصل، من خلال طرح فقط جانب الكبت، والادعاء بأننا بؤساء جنسيا لأننا مقموعين. لكن أن ننتقل كي نكتشف وراء هذا البؤس، طبيعة المعيار الميكانيكي الوضعي لسلطة تستثمر الجسد وتنتج الآثار ؟
4) س ـ أتريدون القول بأن السلطة، تنطلق من القاعدة ؟
ج ـ إذا كانت السلطة، صراع طبقات أو الصيغة التي يأخذها هذا الصراع، فينبغي موضعتها ثانية في الإطار نفسه. ذلك، أن أغلب المقاربات،  تصنع العكس، وتحدد صراع الطبقات باعتباره معركة من أجل السلطة. يجب الإطلاع على نصوص ماركس، ولا أعتقد بأني كشفت بشكل راديكالي عن قناعة لا ماركسية، حينما أتحدث بهذه الكيفية [...]. لا أشعر في قيرورة نفسي، بحتمية  الوفاء لماركس، لكن حينما تستحضرون الشروحات المادية التي أنجزها بخصوص سنة 1848 ولوي نابليون والكمونة، مع النصوص التاريخية، أكثر من النظرية، فأعتقد بأنه وضع التأويلات المنصبة على السلطة داخل إطار ما، هو أساسا صراع طبقات، ولا يجعل من الأخير، سعيا نحو السلطة. المنافسة على السلطة، حلّلها بالتدقيق داخل مجموعات مختلفة تتصارع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموقع الاليكتروني : http://saidboukhlet.com/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق